شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

ملحدون بلا إلحاد

ملحدون بلا إلحاد

تشيع بين الناس الآن فكرة أن هناك ظاهرة إلحاد تضرب جوانب العالم العربي، ويشيعها كذلك فئة من مشايخ العسكر بغية نسبة ذلك للإسلام السياسي، والفكرة عند تأملها نجد أنها تأخذ حجما أكبر من حجمها الحقيقي، ولا توصف بالإلحاد، بل ربما وصفت بأوصاف أخرى، وأسباب أخرى ربما عجز مقال قصير كهذا عن التفصيل فيه، لكنه لا يغني عن الإشارة إلى هذه الظاهرة، ومدى صحة وجودها، وتوصيفها الحقيقي، وأهم أسبابها، وما الفرق بين الإلحاد في بلاد العرب، والإلحاد في بلاد الغرب.
هل ما في العالم العربي والإسلامي من تخلي بعض الشباب عن التدين، يعد إلحادا، أم لا؟ إن الملحد في تعريفه هو: إنسان درس الأديان، فاكتشف أنها فاسدة لا تصلح، وأنه لا إله لهذا الكون. فهل هناك من ينسب للإلحاد في عالمنا شخص واحد درس الإسلام دراسة مستفيضة، فاكتشف ذلك؟ فضلا عن دراسة الأديان؟! وهل له إصدار علمي أو فكري يعبر عن رؤيته وفكرته الإلحادية؟! ولماذا هو ملحد؟! إن كثيرا ممن ينسب للإلحاد شباب سطحيون في ثقافتهم، إن لم يكن لديهم ضحالة في الثقافة الدينية والفكرية كذلك، وذلك لسبب بسيط أن كل من درس الإسلام وبدأ حياته يميل إلى الإلحاد أو الفكر الإلحادي، أو فيلسوف وعبقري في الفكر، انتهى مؤمنا بالله أعظم الإيمان، وهو ما قاله أحد فلاسفة الغرب الكبار (فرانسيس بيكون): قليل من الفلسفة يؤدي إلى الإلحاد، وكثير من الفلسفة يؤدي إلى الإيمان. ولذا رأينا عمالقة الفلسفة والفكر الفلسفي في العالم العربي قد تحولوا إلى مؤمنين، مثال: د. منصور فهمي، والذي كانت رسالته للدكتوراه في فرنسا هجوما على الإسلام في قضية المرأة، وبخاصة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه انتقل من مرحلة الشك للإيمان، وأصدر مجلة في منتصف القرن العشرين باسم (الأمانة) أصدر منها خمسة أعداد، كلها تنضح بالفكر المؤمن، واستكتب فيها عمالقة الفكر الإسلامي وقتها، وعلى رأسهم: عباس محمود العقاد، ومحمد يوسف موسى، وحسن البنا. 
ود. زكي نجيب محمود شيخ الفلاسفة، والذي بدأ بكتابه (المتافيزيقا)، ثم انتهى رحمه الله بكتاباته التي عاد فيها لينهل من الثقافة الإسلامية، وهو يعتذر عن فترة ارتمائه في أحضان الفكر الغربي المادي فقط، مهملا الثقافة العربية الإسلامية، وقد فصل ذلك بجلاء في مقدمة كتابه (تجديد الفكر العربي)، ثم في كتب أخرى له مثل: (أفكار ومواقف) و(قصة عقل) و(قصة نفس) واتضح أكثر في كتابه (رؤية إسلامية) وتوفي رحمه الله، وقد عكف على كتابة كتاب عن عظمة الفقه الإسلامي. 
ود. عبد الرحمن بدوي، الذي بدأ داعيا ومنظرا للفكر الوجودي، ولكنه بعد فترة من الزمن عاد بقوة إلى الفكرة الإيمانية، وختم حياته بكتابين مهمين، الأول: دفاع عن القرآن، والثاني: دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم، وغيرها من الكتب. 
ود. مصطفى محمود، الذي حياته التأليفية ملحدا، بكتابه (الله والإنسان)، وأصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى في الكتاب، قد عرضتها في مقال لي مفصل في مجلة (وجهات نظر)، في غاية الرصانة، لينتهي الأمر بالرجل إلى مؤلفاته العظيمة في الإيمان بالله، وبرنامجه الذي تابعه الملايين من الناس (العلم والإيمان)، ومؤلفات لا تحصى في هذا الجانب من الرجل رحمه الله.
ما أردت أن أخلص إليه هنا: أن ما يدعون بالملحدين في بلادنا، هم ملحدون بلا إلحاد، أي ملحدون بالاسم، وهذا ما ذكرني بنكتة مصرية: أن شابا في ستينيات القرن العشرين حيث ما يفد كثير من شباب مصر إلى (روسيا) لبعثة علمية، فعاد معجبا بها، فيزعم أنه صار ملحدا، فعاد الشاب المصري من روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا)، وقد قال لشباب قريته: يا شباب لقد أصبحت ملحداً، فقالوا له: لا تمزح، فقال: صدقوني أنا ملحد، فقالوا: هذه نكتة سخيفة، ونحن لا نصدقك، فقال: أقسم بالله العلي العظيم أنا ملحد!! فضحك الشباب إذ كيف لملحد أن يقسم بالله؟!
أما الحديث عن أسباب هذا الظاهرة، فهو حديث يحتاج لتفصيل في مقالات أخرى، وقد تطرق للظاهرة من قبل الأستاذ سليم عزوز في مقال له، والدكتور محمد العوضي، والدكتور طارق الحبيب، في مناقشة سيكولوجية الملحد، وأرى جوانب أخرى تحتاج للحديث، وعن تجربة من مروا بالإلحاد مرورا فكريا حقيقيا فانتهى بهم المطاف إلى مؤمنين بالله إيمانا ملأ عليهم قلوبهم، وما الأسباب التي جرفتهم لهذا لفكر، وما الأسباب التي عادت بهم ليؤمنوا بالله؟

 

المصدر : الجزيرة مباشر



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023