شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

صلاة العيد المختلطة

صلاة العيد المختلطة
أثارت بعض الصحف ما أسموه (صلاة العيد المختلطة بين الرجال والنساء)، واستفتت عددًا من علماء الشريعة بالأزهر الشريف، الذين ذهبوا في جلهم إلى بطلان الصلاة، باستثناء من رأى أن صلاة المرأة بجوار الرجل للضرورة ولعدم وجود مكان.

أثارت بعض الصحف ما أسموه (صلاة العيد المختلطة بين الرجال والنساء)، واستفتت عددًا من علماء الشريعة بالأزهر الشريف، الذين ذهبوا في جلهم إلى بطلان الصلاة، باستثناء من رأى أن صلاة المرأة بجوار الرجل للضرورة ولعدم وجود مكان دون التصاق جائزة للضرورة.

رفع الواقع

والصلاة المختلطة في العيد قد تأخذ شكلين:

الشكل الأول: هو أن تكون هناك صفوف خاصة بالنساء قد تكون قريبة من الرجال، أو تتقدمهم في بعض الأحيان نظرًا لعدم وجود مكان للصلاة، وهذا غالبًا ما يكون في الساحة الخارجية بعيدًا عن مصلى النساء؛ وذلك لكثرة الزحام، فلا تستطيع النساء الوصول للمصلى من الزحام أو لامتلائه، أو للوصول متأخرات فلا يجدن مكانًا إلا في الساحة الخارجية.

الشكل الثاني: هو أن تكون هناك عائلات، فيها الزوج والزوجة والأولاد والأقارب، وقد يستسهلون الأمر فيصلون متجاورين، الرجال بجوار النساء، وقد تكون صلاة العائلات بينها حوائل، فلا يكون الرجل بجوار المرأة التصاقًا، وقد يكون هذا الالتصاق في أثناء سماع الخطبة ولا يكون في الصلاة.

لا فساد إلا بدليل

والحق أن التسرع بالحكم على الصلاة بالبطلان يحتاج إلى نوع من المراجعة؛ وذلك أن فساد الصلاة لا بد فيه من دليل شرعي، وكون صلاة المرأة متأخرة عن الرجل -وهذا هو الأصل في الصلاة- قد لا يعني البطلان والفساد، فربما كان مكروهًا، وانضباط المصطلح الفقهي في الحكم أمر واجب؛ فقد تصح الصلاة مع الحرمة مثلًا، كما هو الشأن في الصلاة في الأرض المغصوبة، أو الصلاة في الثوب المغصوب ونحوه، وكذلك صلاة أكثر من جماعة في مسجد واحد، فنقول: إن الصلاة حرام؛ لاشتمالها على أشياء محرمة؛ وذلك أن هذه الأشياء هذه خارجة عن الصلاة ذاتها، مع استيفاء شروطها وأركانها.

وقد اتفق الفقهاء على أن المرأة إن صلت بجوار الرجل، وكان بينهما حائل، أو مكان فارغ بمقدار وقوف رجل للصلاة في هذا المكان الفاصل فالصلاة صحيحة، وهذا ما ذهبت إليه المذاهب الأربعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

يقول الشيخ محمد صالح المنجد، من علماء المملكة العربية السعودية: “إذا صلت المرأة بمحاذاة الرجل، وكان بينهما حائل من جدار أو فرجة يمكن أن يقوم فيها مصلٍ، فالصلاة صحيحة عند عامة أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وإنما وقع الخلاف بينهم فيما إذا صلت إلى جنبه بلا حائل”.

أما إذا صلت المرأة بجوار الرجل بلا فرجة أو حائل، فالصلاة صحيحة على مذهب جمهور العلماء، وخالفهم في ذلك الحنيفة، وقالوا: إن صلاة المرأة بجوار الرجل بلا حائل تفسد الصلاة.

أدلة الفساد والصحة

واستدل الأحناف بما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله: “أخروهن من حيث أخرهن الله”. والرجل هو المخاطب به دون المرأة، فيكون هو التارك لفرض القيام فتفسد صلاته، غير أنهم لم يحكموا بفساد صلاة المرأة، كما صرح بذلك الإمام الزيلعي الحنفي.

ولكن جمهور الفقهاء لم يروا أن الحديث يقتضي فساد صلاة الرجل أيضًا، وإنما يقتضي الكراهة؛ لما قد يكون في صلاة النساء بجوار الرجال من المفاسد التي يجب أن تنزه عنها الصلاة، غير أن كراهة الأمر شيء، والحكم عليه بالبطلان والفساد مع استيفائه الأركان شيء آخر.

وأحسب أنه من الأولى في صلاة العيد المتحدث عنها بما فيها من اختلاط بين الرجال والنساء، أن يحكم عليها بالصحة بناءً على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ بل هناك مستند شرعي لصحة الصلاة، وهو ما ورد عن عائشة -رضي الله عنها-قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعليّ مرط وعليه بعضه”. رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه.

قال الشافعية رحمهم الله: إذا لم تبطل صلاة الرجل لوقوف المرأة بجواره في غير الصلاة، فمن باب أولى ألا تبطل صلاته بجوارها في الصلاة، كما قال الشافعية: صحة الصلاة بوقوف المرأة بجوار الرجل في صلاة الجنازة، فإنها لا تبطل.

والشرط الوحيد الذي اشترطه الشافعية، هو ألا تتقدم المرأة المأموم، فإن تقدمت المأموم بطلت الصلاة.

مراجعة لازمة

وإذا كان هذا هو الحكم في الصلاة المعتادة التي يمكن فيها تنظيم الصفوف بشكل أقوى، فإن إقبال الناس على صلاة العيد، مع ما فيه من ازدحام والسعي لتطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم من خروج النساء لصلاة العيد، وما يترتب عليه من ضيق المكان أو عدم التنظيم، فيكون الإفتاء بالتيسير الأولى من التعسير، واعتماد رأي الجمهور أولى من الأحناف، على أن تسعى الجهات المنظمة أن تخصص أماكن للنساء أكثر، فاعتبار قلة النساء في الصلاة أمر غير محمود، ومن حق المرأة أن تتمتع بصلاة العيد؛ اقتداء بالسنة، لتكون شقيقة الرجل في الصلاة، كما هي شقيقته في كل عمل صالح.

وإذا كان البعض قد يميل إلى بطلان الصلاة للمجاورة والملاصقة بين الرجال والنساء، فإنه لا يعتمد قولهم في القول ببطلان الصلاة لتخلل صفوف النساء صفوف الرجال، أو الصلاة بمحاذاتهم مع وجود حائل أو فرجة، بل القول ببطلان صلاة الجميع في الحالتين الأخيرتين لا سند شرعيًا لهما، وهو قول بخلاف الأدلة والقواعد وقول الأئمة المستند على أقوالهم.

والله أعلم



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023