شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الجنرال والكابو: اللعب بالأولتراس

الجنرال والكابو: اللعب بالأولتراس
أن يقترح السيسي تشكيل لجنةٍ من عشرة أفراد من الأولتراس، لتشاركه النظر، أو البحث أو التحقيق في الواقعة التي قال قضاء الجنرال فيها كلمته الأخيرة، فهذا لا يعني سوى أن مشروعًا لاختراق الأولتراس، وتفتيتهم، وتفجيرهم من الداخل..

.. وأما “الكابو”، فهو المسمى الخاص بقائد مجموعة الأولتراس، كما تعرفه صفحاتهم، وتحدد مهامه بأن يكون لكل جروب كابو لحفظ النظام الداخلي، ولتوصيل صوت أبناء الجروب إلى باقي كابوهات الجروب.

في مداخلته الهاتفية العاطفية التي جعلت عماد الدين أديب يصل إلى مرحلة “ما بعد المصطفى بكري”، فيصفها بأنها “أعلى مراحل الصدق الإنساني”، تقمص عبدالفتاح السيسي شخصية “عضو الأولتراس” المخلص للجماعة، متحدثًا باسمها، وكأنه لم يكن يومًا رجل المخابرات الحديدي، المسؤول عن المعلومات وقت وقوع الجريمة.

تحدّث وكأنه وافدٌ جديدٌ تقدم للتو بطلب انضمام للألتراس، عارضًا عليهم شراكةً للتحقيق في جريمةٍ معلقةٍ برقبة المجلس العسكري، الذي كان الجنرال السيسي عضوًا بارزًا ومؤثرًا، بل متحكمًا فيه.

في مسعاه لما يمكن اعتباره “محاولة لتأميم الأولتراس”، استعاد عبدالفتاح السيسي دوره في عملية ابتذال الثورة، من خلال ابتذال كياناتها وتشكيلاتها، بعد خلع حسني مبارك؛ إذ نشط المجلس العسكري في تصنيع ما أسميته وقتها “عبوات ثورية” مزيفة، أو مقلدّة، وإغراق الأسواق بها، بحيث يتم بها ابتذال “ائتلاف شباب الثورة” الذي تبلور، في ذلك الوقت، جامعًا كل الأطياف الثورية الحقيقية.

أن يقترح السيسي تشكيل لجنةٍ من عشرة أفراد من الأولتراس، لتشاركه النظر، أو البحث أو التحقيق في الواقعة التي قال قضاء الجنرال فيها كلمته الأخيرة، فهذا لا يعني سوى أن مشروعًا لاختراق الأولتراس، وتفتيتهم، وتفجيرهم من الداخل، من خلال توليف قياداتٍ مزيفة، يصطفيها السيسي، ويصنعها بأعينه، ومع كثير من التلميع والترويج الإعلامي، تصبح هذه المجموعة السيسية صاحبة القول الفصل، بل هي الأولتراس نفسه.

يفصل الأولتراس واجبات “الكابو” بأنها “الحماس الشديد للفكرة والإيمان بها، وبث روح الحماس فى أفراد الأولتراس وشرح الفكرة وترشيح الأفراد لغروبه، وللغروب عامة، والمحافظة على قوانين الأولتراس والمسؤولية التامة عن سلامة أفراد غروبه وتنظيمهم واقتراح الأفكار الجديدة للوصول إلى الهدف العام، طباعة التي شيرتات الخاصة بالغروب، والتنسيق مع باقى كابوهات الغروب، وضمان التحرك المنظم حول العالم، وما يستجد من واجباتٍ، حسب ظروف العمل المطلوب”.

وهذا بالضبط ما يحاول السيسي القيام به، حتى لو ضحّى بأسلافه، جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك، حين أرجع المأساة إلى الفشل الموروث من هؤلاء، بادعائه أن مصر صارت على أيديهم “أشلاء دولة”، بل لا يبدو ممانعًا في التضحية بمعلمه، وصاحب الفضل عليه، المشير حسين طنطاوي، بإلقائه في محرقة الأولتراس، إذا كان هذا هو ثمن عملية الاحتواء المبتذل التي يمارسها الجنرال على المجروحين والمكلومين من روابط مشجعي كرة القدم.

وعلى ما يبدو من البيان المنسوب للألتراس أمس، فإن السيناريو الجهنمي الذي وضعه وينفذه عبدالفتاح السيسي، بعقلية رجل المخابرات، صاحب تجربة إعطاب تجربة وحدة شباب ثورة يناير2011، يمضي في طريقه المرسوم، كون البيان المنشور عقب مداخلة السيسي بدا مسكونًا بلغةٍ غريبة، لم نعهدها في خطاب “الأولتراس” جعلت الناس ينقسمون، ويستعيدون قاموس الفتنة الكبرى في الثورة، لتتطاير مجددًا مفردات البيع والتفريط في الدم والتصالح مع القتلة. وهذا هو المكسب الوحيد للسيسي، من وراء هذه العملية الماكرة التي أديرت بدهاء شرير، أدى فيها كل الممثلين أدوارهم، بمهارة، وفقًا لسيناريو محكم، وضع مرتضى منصور في مصارعة حرة مع عمرو أديب وأحمد موسى، ليظهر مرتضى، على إثرها، في شخصية الجريح الذي طعنوه، وباعوه، لقاء مصالحةٍ تاريخيةٍ بين جنرال الدم وأصحاب الدم.

يقول لنا التاريخ غير البعيد إن مسألة شهداء الثورة ومصابيها تلقت ضربة قاتلة، أضاعتها، وقضت عليها كتجسيد للجوهر الأخلاقي للثورة، حين نجح سماسرة ووسطاء في وضعها، في عهدة المجلس العسكري، مع وضع بعض الأسماء، المرتبطة بالميدان، في الواجهة كديكور، بينما انفرد “العسكري” بالبطولة المطلقة، قاتلًا ومعالجًا ومعوضًا، وكانت النتيجة أن القتلة الآن في مقاعد الحكم، وتحت قبة البرلمان، بينما الشهداء يقتلون كل يوم، ويهانون في قبورهم.

تعلموا من التاريخ، ولا تؤلموا شهداءكم.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023