شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

نحتاج شبكات تواصل اجتماعي تعطينا الوقت للتفكير

نحتاج شبكات تواصل اجتماعي تعطينا الوقت للتفكير
في المتوسط، نحن نتفقد هواتفنا الذكية ٢٠٠ مرة في اليوم الواحد من أجل رسائل البريد الإلكتروني والتغريدات والرسائل النصية. هذا حتى قبل أن نستخدم أيًا من التطبيقات المتعددة على هواتفنا.

في المتوسط، نحن نتفقد هواتفنا الذكية ٢٠٠ مرة في اليوم الواحد من أجل رسائل البريد الإلكتروني والتغريدات والرسائل النصية. هذا حتى قبل أن نستخدم أيًا من التطبيقات المتعددة على هواتفنا.

وهي درجة فريدة من التواصل مع بعضنا البعض ومع عوالمنا المختلفة. ومن الصعب تخيل الحياة دونها؛ فبقاؤك على اتصال يجعلك تدخل إلى عالم المعرفة الفورية والتبادل اللحظي، والضحك والغضب الفوري.

أما الجانب المظلم، فيقع حيث يأخذ هذا التواصل فهمنا والبنية الأساسية للطريقة التي نفكر بها. ليس من الواضح أن الجيد يفوق السيئ. فاللحظية هي المعبود الجديد- لحظية الحضور والتواصل والرد. أعرف مديرًا تنفيذيًا يتقاضى أجورًا مرتفعة يقوم بالرد فورًا على أي رسالة إلكترونية، على الرغم من أنه يتلقى المئات منها كل ساعة تقريبًا.

من ناحية هذا أمر مثير للإعجاب، فالدخول والرد يتم بشكل استثنائي. ولكن من ناحية أخرى، هذا أمر مثير للقلق. فما مدى عمق التفكير الذي يمكن أن يرتبط بهذه الردود السريعة؟ فكل ما في الأمر هو إعادة سرد وضع الأسهم والاعتماد على ردود الفعل العفوية دون تفكير. لن يكون هناك تحد وجدل ونقاش لأن هذه الأمور تستهلك الكثير من الوقت، أو على الأقل سوف تشتتك عن الرد على سيل الرسائل الإلكترونية التي تصلك كل دقيقة.

وقد قام تيم برنرز لي، مخترع شبكة المعلومات الدولية عام ١٩٨٩، خلال إطلاق مهرجان صندانس لفيلم “فور ايفيري ون دوت نت”، بتوضيح سلبيات الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة موقع “تويتر”. فقد أصبح العالم سريع جدًا بدون تفكير، وبخاصة إعادة التغريدات، في رأيه، تقود للغضب. فمن الواضح أننا قد نعيد تغريد الشيء الذي يثير غضبنا عشر مرات أكثر مما نفعل مع الشيء الذي يسعدنا.

ومن ثم أصبحت السمة الأساسية للكثير من مواقع التواصل الاجتماعي التنمر ومعاداة المرأة والسلبية.

وقد دعا برنرز لي إلى تجديد شبكات التواصل الاجتماعي، فقد أراد منصات مفتوحة ومهيئة بشكل أفضل للتعبير عن “النقد البناء والانسجام”. فالإنترنت يجب أن يكون قوة من أجل عامل أفضل. كما تدعم مارثا لاين فوكس, التي تدعو دائمًا بلا كلل إلى استخدام أفضل للانترنت دعوته قائلة: نحتاج إلى شبكات تواصل اجتماعي ذات قلب.

ليس من الصعب الاتفاق مع كليهما, لكن الصعوبة تكمن في تخيل كيف ستبدو شبكات التواصل الإجتماعي البناءة تلك. وفوق كل شيئ, يجب أن تعمل بشكل أكثر بطئا. ويقول دانييل كانيمان الحائز على جائزة نوبل في كتابة الأكثر مبيعا Thinking Fast and Slow بأن العقل البشري يعمل وفقا لنظامين أساسيين. فحيث أننا من الثدييات القادرة على التفكير, علينا أن نعتمد على التفكير السريع الفطري العاطفي اللإرادي, وبخاصة عند التعامل مع الخطر; فالغرائز كانت طريقة للبقاء على قيد الحياة. هذا ما يسميه النظام رقم واحد. هذا قد يؤدي غالبا إلى ارتكاب الأخطاء, والتصرف بشكل غير منطقي, والاعتماد على العقل الباطن, لكن هذا يتيح سرعة اتخاذ القرار, وهو أمر هام للبقاء على قيد الحياة.

أما النظام الثاني فهو أكثر بطئا ويعمل بشكل إرادي. فأنت تجمع الادلة وتحكم على الأشياء وتناقش الآخرين وتحاول الوصول إلى استنتاجات. هذا أمر عقلاني وصعب ومستهلك للوقت. ومن الأفضل أن تخضع القرارات لمعالجة النظام الثاني، ولكن هذا غير ممكن في ضجيج الحياة.

نحن نتراجع إلى النظام الأول, بكل تحيزاته المعرفية الأصيلة، لنجتاز يومنا، فنحن نفرط في التفاؤل، وعاطفيين بشكل زائد عن الحد، وأكثر عرضة للتأثر بالطريقة التي صاغت بها الأحداث الحالية تفكيرنا، كما أننا نقلق أكثر من اللازم بشأن تجنب المخاطر بدلا من استغلال الفرصة لا شيء إلا لأن التفكير اللحظي والسريع للنظام رقم رقم ١ يأخذنا هناك. فنحن ببساطة يجب أن نعتمد على الحدس للتعامل مع كل الضغوط المحيطة.

وفي الوقت الذي تحمل فيه هاتفك الذكي يكون النظام رقم ١ هو المسيطر على تفكيرك. فلا يستطيع أحد التعامل مع كم البيانات المتاحة في ٢٠١٦ بدون الاعتماد على المشاعر التي يصدر عنها استجابات لحظية، غالبا ما يثيرها رد فعل الآخرين نحونا. فليس هناك مجال للتداول والنقاش- يجب عليك دائمًا أن تصدر حكمًا سريعًا وتنتقل إلى شيء آخر. أحب هذا الفيلم، هذا المقال مزر/رائع، أو السياسي الفلاني جيد/وغد منافق.

وأحد أسباب وجود كراهية المرأة على شبكة الانترنت هو أن انتقاد مظهر المرأة وأسلوبها هو الوضع الافتراضي لكثير من الرجال. فليس هناك رابط منطقي رفض رأي المراة ومظهرها, لكن النظام رقم ١ للتفكير لا يهتم لهذا.

تيم برنرز لي ومارثا لين فوكس على حق: فالانترنت هو أعظم وسيلة اخترعها العالم للانفتاح على الآخرين. ولكن هذا بناء على افتراض

أن يقوم مستخدموه بإعمال النظام الثاني للتفكير. فمن الواضح أن هناك أوقات نستخدم فيها النظام رقم ٢ لاتخاذ قرارات هامة- للبحث عن مرض ما، أو البحث عن مكان لقضاء الإجازة، أو متابعة انجاز علمي. ولكن شبكة المعلومات بشكل أساسي تستخدم للتصفح السريع. فنحن نأخذ جولة على موقعي يوتيوب وفيس بوك لنتحول إلى شخص ذو عادات غريبة وغير مألوفة؛ وكأن الأمر الزامي أن نتحول إلى عالم التفاهة والحدس الخاص بالنمط رقم ١ في التفكير.

ربما تجد دعوة برنرز لي آذانا صاغية لدى أحد ما فيخرج علينا بشبكة تواصل اجتماعي قائمة على التدبر والتفكير، يكون أحد بروتوكولاتها إتاحة الوقت للتفكير، لكن هذا يظل احتمالا بعيدًا وحدوثه غير مؤكد. في الوقت الحالي، نحن عالقون مع ما نملك- حوارات اجتماعية عامة على نطاق واسع نكون فيها عاطفيين وأكثر غضبا مما نبدو عليه في الحقيقة.

فقد تم سحب كلا الحزبين السياسيين من الوسط السياسي -جزئيًا- بسبب الغضب الذي اجتاح شبكات التواصل الاجتماعي والذي أصبح وقودا لمواقف متطرفة. وقد وجد حزب العمال على اليسار وجزب المتشككين في أوروبا على اليمين صدى على مواقع التواصل الإجتماعي: فانتشار الحديث عن الاتحاد الأوروبي غير الديموقراطي والذي اعتبر بلا فائدة، أو أوجه القصور لدى توني بلير وحروبه لا يتطلب الكثير من التفكير ويثير رد فعل لحظي. ولكن في نفس الوقت, هناك إدراك لأن السرعة والعاطفية ليسا بالضرورة الأسس الصحيحة للحكم الجيد, لهذا فمن الضروري استخدام نمط التفكير رقم ٢.

وقد بنى كاميرون نجاحاته عن طريق المشاعر المثارة عبر مواقع التواصل الإجتماعي من خلال تقديم نفسه -بغض النظر عن أخطائه- على أنه المفكر الجاد الذي يعتمد على النظام الثاني للتفكير الذي نعلم أننا بحاجة إليه. وهو درس سياسي وتواصلي يستحق التأمل. فمواقع التواصل الإجتماعي تغير القواعد. وعلى النقيض, نحد أنها تعلمنا أننا نحتاج مزيدا من الوقت للتفكير – ومجالا نكون فيه على قدر من الجدية.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023