شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

على ضفاف شخصية حسن البنا

على ضفاف شخصية حسن البنا
في منتصف ليل السبت الرابع عشر من ربيع الآخر 1368هـ الموافق الثاني عشر من فبراير 1949م جاء أحدهم ليخبر الشيخ أحمد عبدالرحمن أن ولده قد قُتل وأن جثته في مستشفى القصر العيني،واذا أراد الحصول على جثة ابنه فعليه أن يتعهد للحكومة

في منتصف ليل السبت الرابع عشر من ربيع الآخر 1368هـ الموافق الثاني عشر من فبراير 1949م جاء أحدهم ليخبر الشيخ أحمد عبدالرحمن أن ولده قد قُتل وأن جثته في مستشفى القصر العيني،واذا أراد الحصول على جثة ابنه فعليه أن يتعهد للحكومة بأن تتم الجنازة في صمت ودون اقامة أي من مظاهر العزاء وإلا فانهم سيقومون بدفنه مباشرة بطريقتهم الخاصة..وافق الشيخ المسكين على ما يطلبه أفراد البوليس حتى لا يحرم نفسه وأهله من رؤية ابنه وتغسيله والصلاة عليه.

جئ بجثمان الشهيد الذي طوي عمره وهو في الثالثة والأربعين من عمره الى البيت فغسّله أبوه وودعه،ولم يكن بالبيت إلا الشيخ المسن والأطفال الصغار والنساء فطلب الشيخ من بعض العساكر الذين يحيطون بالبيت وبالشوارع المحيطة أن يقوم بعضهم بحمل جثمان ابنه الى المقابر فرفضوا وقالوا (فلتحمله النساء)،وبالفعل انطلق النعش يحمله أربع من النساء الى المسجد ليُصلى عليه وكان الطريق كله على جانبيه عساكر مدججة بالسلاح حتى لا يشارك أحد في جنازة الرجل،ودُفن قبيل الفجر.

علم الشيخ أحمد أن ابنه (حسن) كان في مقر جمعية الشبان المسلمين في وسط القاهرة (شارع رمسيس) وأثناء خروجه جاءت سيارة _اتضح بعد ذلك أنها لأحد رجال البوليس_ وأطلق أحدهم منها 7رصاصات على (حسن) أصابه بعضها ولكن اصابته لم تكن مميتة فذهب به بعض أعضاء الجمعية الى القصر العيني ليتم علاجه فجاءت الأوامر الملكية بتركه ينزف حتى الموت..وحدث هذا!!

وُلد(حسن) بمدينة المحمودية في محافظة البحيرة يوم 25شعبان 1324هـ الموافق 14أكتوبر1906م وكان أول أولاد أبيه،اهتم والده بتنشئته وتربيته تربية دينية فدفعه لحفظ القرآن ودراسة الفقه على المذهب الحنفي وحضور مجالس العلم ومطالعة الكتب من مكتبة أبيه.
كان(حسن) شابا متقد الحماس موفور الهمة،أول أنشطته الدعوية كان رئاسته لجمعية الأخلاق الأدبية وهو في المدرسة الاعدادية ثم شكل مع أصدقائه جمعية سرية لمنع المحرمات وكانوا يتخذون الدعوة والنصح سبيلًا لهم..كل هذا ولما يتجاوز عمره14عاما بعد.

عقب الاعدادية التحق(حسن) بمدرسة المعلمين بدمنهور والتحق بالمدرسة الحصافية الصوفية وهي مدرسة بعيدة عن بدع وشطحات الجماعات الصوفية الأخرى وكان من نشاطه معهم أن أسس مع زملائه (جمعية الحصافية الخيرية) لمحاربة الارساليات التبشيرية التنصيرية التي كانت منتشرة في ربوع مصر وقتها..وبعد انهائه للدراسة بمدرسة المعلمين التحق بدار العلوم بالقاهرة، جاء القاهرة 1924م وعايش سقوط الخلافة العثمانية على يد كمال أتاتورك وردود أفعال النخبة المثقفة في القاهرة والعلماء على هذا،عايش صدور كتب تحارب الاسلام وتخرجه عن اطاره وتنتزع من قيمه وأحكامه مثل الكتب التي صدرت تحارب الحجاب وتنفي قيام دولة في الاسلام، وأيضا اطّلع على الانحراف الخلقي في القاهرة والذي لم يشهد مثله في الريف موطنه الذي تربى فيه،وكان مما يصبره ويعينه على لأواه هذه المظاهر هو حبه للدراسة في دار العلوم وأيضا تردده على المكتبة السلفية لمحب الدين الخطيب ودار مجلة المنار لصاحبها رشيد رضا واللتان كانتا أماكن مناسبة للاستزادة العلمية ومتابعة أحوال المسلمين في العالم كله وأيضا البحث عن طرق ووسائل لخدمة الاسلام.

تخرج(حسن) من دار العلوم عام 1927م وكان ترتيبه الأول على دفعته وعُرضت عليه منحة الاوائل وهي رحلة سفر لباريس فرفضها وفضّل البقاء في مصر،ثم عُين مُدرسًا بمدرسة ابتدائية بالاسماعيلية..ورأى في الاسماعيلية سطوة المحتل الانجليزي بقواته المنتشرة بكثافة هناك وسيطرة النفوذ الاجنبي على الاقتصاد المتمثل في مكتب ادارة قناة السويس واستخدامه للمصريين لخدمته وتحقيق مئاربه.

أنشأ جماعة الاخوان المسلمين في مارس 1928م وكانت النواة 6من العمال والحرفيين ،فقال لهم الأستاذ البنا:ليكن اجتماعنا أساسه الفكرة،نحن اخوة في خدمة الاسلام فنحن إذن (الاخوان المسلمون)،وتوالت بعد ذلك أنشطة الجماعة في أرجاء مدينة الاسماعيلية ثم انتشرت في ربوع مصر وأخذت الجماعة شكلها الحالي..مجموعة أفراد يكونون شُعبة ومجموعة شُعب تكوّن منطقة وعدد من المناطق يكونون مكتب اداري والمكاتب الادارية تخضع لسلطة مكتب الارشاد،وكل هيئة في هذا الهرم الاداري لها مجلس شورى.

كان سن الاستاذ البنا عند تأسيس الجماعة 22عاما..لم يمنعه صغر سنه من تقديم نموذج ناجح لحركة اسلامية وجماعة اصلاحية أصبحت فيما بعد كبرى الحركات الاسلامية في العالم بأسره،وكان _رحمه الله_ نموذجا للحماس طيلة حياته ففي سبيل نشر فكرته التي ملأت عليه جوانبه زار قرابة 3000قرية من أصل 4000قريةعدد قرى مصر وقتها.

كان الأستاذ خطيبا مفوها ،وكاتبا لا يُجارى كتب في مجلات المنار والشهاب والنذير والتعارف والكشكول الجديد وجريدة الاخوان المسلمين أما كتبه فلم يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة أبرزها (الرسائل) الذي جمّع فيه الرسائل التي توضح منهاج الاخوان المسلمين ووسائلهم وآرائهم في القضايا المختلفة،بالاضافة الى (مذكرات الدعوة والداعية) الذي يحكي فيه عن أبرز مواقف حياته الدعوية وتجربته الحياتية.

انتشرت فكرة الاخوان المسلمين في دول عدة وبدأت يذيع صيتها في كل الدول التي تواجدت بها..ظهر ذلك جليا مثلا في أنشطة الاخوان في خدمة القضية الفلسطينية ضد الصهيونية منذ الثلاثينات وبدأ الاحتجاجات مرورا بخطابات الى رؤساء الدول وصولا الى حرب فلسطين 1948م والتي شارك الاخوان بآلاف المتطوعين من شتى الدول التي ينتشر بها التنظيم،وبطولات أفراد الاخوان في هذه الحرب أوضح من أن ينكرها جاحد وأكثر من أن يحصيها عد.

بعد رجوع الاخوان من حرب فلسطين التي أفسدها الجيوش النظامية،وبضغط من الاستعمار الانجليزي صدر الامر العسكري بحل جماعة الاخوان المسلمين في 8ديسمبر 1948 وكان عدد اعضائها وقتها يقدر بنصف مليون عضو في ارجاء مصر..وتم اعتقال الكثير من أفراد الاخوان أثناء رجوعهم من حرب فلسطين،واستمرت المطاردات لبعضهم.

حتى جاء يوم الثاني عشر من فبراير فرأى الاستاذ البنا في منامه سيدنا عمر بن الخطاب يبشره بالشهادة..وحكى هذه القصة لأهله ثم خرج لأداء مهماته الدعوية ثم قُتل في آخر هذا اليوم.

مات حسن البنا..ولكن فكرته _التي جسدها في جماعة تقوم بها والتي استمدها أساسا من القرآن والسنة_بقيت حية وزاد انتشارها وخلفه رجال ألفهم وعني بتربيتهم قاموا هم بتأليف الكتب وعمارة المساجد والسعي في ساحات السياسة والتحرك في خدمة الفقراء وكفالتهم..مات حسن البنا وترك قصته نموذجا لشاب عني بدينه منذ صغره وتحرك وبذل وأبدع حتى مات وهو في الثالثة والاربعين مخلّفًا وراءه أثرا عظيما.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023