شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الانقلاب انقلابا تركيا .. والخلاف خلافا عربيا

الانقلاب انقلابا تركيا .. والخلاف خلافا عربيا
متى كان العرب متفقين ؟ ومتى كانوا أمة واحدة؟ فجميعنا يعلم بأنه قد " اتفق العرب على أن لا يتفقوا"

متى كان العرب متفقين ؟ ومتى كانوا أمة واحدة؟ فجميعنا يعلم بأنه قد  ” اتفق العرب على أن لا يتفقوا”، وكأن خلافهم هذا في كل أمر، وأي أمر هو خلاف أزلي أبدي، فالمثل القائل :” أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وأبن عمي على الغريب”، هي مقولة عاطلة العمل عند العرب، فالعرب أعداء العرب “وان كان الشأن غير عربي أصلا”، فبرغم أن الانقلاب هو انقلاب تركي محض؛ إلا أن الخلاف كان خلافا عربي محض، بل ربما كان الخلاف الدائر بين السياسات العربية من أجل الحدث التركي الراهن هو أشد وطأة من الخلاف التركي التركي! 

انقسمت البلاد العربية ” كعادتها” بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا؛ إلى صفين متلاحمين سياسيا واعلاميا، وتفاقم الانقسام بينهما إلى توظيفه في خلافات وصراعات سياسية داخلية، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، حتى بات الحدث التركي” محاولة الانقلاب العسكرية التركية”، هي المحرك الأول والأساسي لجميع السياسات العربية في الآونة الاخيرة، ففريق أيد الانقلاب على ” أردوغان” منذ السويعات الأولى بكل ما أوتي من أعلام ولسان وفصاحة، حتى أن المتابع لإعلامهم يكاد ينفصل عن حقيقة الحدث ومجرياته، فيتأكد يقينا من نجاح الانقلاب وسقوط الرئيس التركي، محملين اياه كل نقيصة وبذيئة، فرحين بما أصابه وشعبه وبلده، راجين من الله زواله بلا رجعة، وفريق آخر ناصر “أردوغان” ونظامه، فوقف مدافعا عنه دفاع المستميت على ماله وعرضه، فأيده في كل سبيل وطريق سلكه بعد فشل الانقلاب، ومبررا له كل نهج ينهجه، غير متوان في القاء التهم على كل من أثيرت حوله الشكوك أو الظن بضلوعه أو تورطه بالانقلاب، وكأن المتهم لم يكن يوما بريئا حتى تثبت ادانته!

كلا الفريقين كان يتحدث عبر قنواته الفضائية بما تهوى نفسه وتحب من تحليلات سياسية أو تصريحات بلا ننطق ولا حياد، وكأن الساحة ساحة حرب ونزال، وليست أعلام وفكر، وبين هذا وذاك ضاع الحدث نفسه، وضاعت القضية ذاتها، فلم تعد محاولة الانقلاب الفاشلة هي سيد الموقف السياسي والاعلامي العربي! والتي لو نجحت لأودت بتركيا والمنطقة بأكملها إلى انزلاقات أعظم بكثير مما أودت به الانقلابات العسكرية السابقة في المنطقة، والتي أفضى عنها انقلابا حقيقيا في السياسة التركية داخليا واقليميا وعالميا، بل أصبح التحليل “المنحاز” والتعليق السيء والرديء والغير اعلامي “البتة” هو سيد الموقف والكلمة في المحطات العربية، هذا عوضا عن تراشق السياسات العربية واعلامها فيما بينها، جراء تصريحات بعضها البعض إزاء الحدث التركي الراهن، حتى أن الأمر وصل بأحد الفريقين باتهام الآخر بضلوعه ومشاركته في الانقلاب على الرئيس التركي، فرد عليه الآخر بتخوينه وتأييده للإرهاب ومنظماته، فضاع حابل العرب بنابلهم، وحولوا الساحة الإعلامية إلى معركة عربية عربية، الفائز فيها هو الأكثر إساءة للآخر، والأكثر اتهاما له، فهنيئا لكل متابعي للقنوات العربية والذين يمتعون آذانهم يوميا بكل تلك الشتائم والاتهامات المتبادلة بين المحطات العربية، على ألسنة خبرائها وصفوة المفكرين السياسيين فيها.

لقد باتت سياسة الخلاف والاختلاف عند العرب أمر بديهي واضحا وضوح الشمس، في كل أمر وأي أمر؛ وأن كان ما يختلفون عليه بعيدا عن  قضاياهم ونزاعاتهم الإقليمية والمحلية، فلو كان محل الخلاف هو شأن داخلي لأحدى الدول العربية؛ لكان بمقدور استطاعتنا أن نستوعب ولو قليلا بأن المصالح المتضاربة بين العرب هي الدافع وراء اختلافهم، ولكن! عندما يكون الشأن هو شأن خارجي برمته؛ فكيف لنا أن ندرك سبب كل هذا الكم من الخلاف بل من التناحر بين الدول العربية! فان كانت مصالح بعض الدول العربية منسجمة مع سياسة أردوغان ونظامه ومؤيده له؛ وان كانت مصالح وسياسة دول عربية اخرى  لا تنسجم و النظام الرئاسي التركي، فهذا لا يعني نبتعد كل هذا البعد عن التحليل المنطقي الذي افتقدته اكثرية محطات الدول العربية وتميزت به المحطات الإعلامية الاجنبية، التي ناقشت الحدث بكثير من الموضوعية والحياد رغم تضارب المصالح السياسية بين تري وبين أنظمة بلادها، ولا يعني أيضا أن تلقي كل بلد عربية على شقيقتها الاخرى تهمة دعم الارهاب والخيانة، وتجعل منها مرمى لقذائفها الاعلامية الفاضحة، ولا يعني أيضا أن قتل المنطق والحياد في مناقشة الأمر على وجهه الصحيح والسليم، دون أن يغفل الأول عينه عن بعض التجاوزات المناهضة للقانون والحريات  التي قد تقع من قبل النظام التركي، كحالة الاعتقالات الواسعة! واتهام كل منتسب لمؤسسات غولن بالخيانة! وطلب الإعدام لكل مشترك او مؤيد للانقلاب! كما أنه لا يعني أن يميل الفريق الثاني كل  هذا الميل في العداء والكراهية لنظام “أردوغان” فينعته بالشيطان الرجيم، متمنيا له الانغماس في ظلمات الانقلابات العسكرية، والحروب الأهلية.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023