شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

حديث المبادرات وإنقاذ مصر (4) – عبدالفتاح ماضي

حديث المبادرات وإنقاذ مصر (4) – عبدالفتاح ماضي
هناك آفة شديدة الخطوة يعاني منها الكثير ممن يتصدرون العمل العام في مصر، هي آفة عدم التدبر في تداعيات أو نتائج المواقف السياسية تجاه كوارث النظام سواء أكانت تلك المواقف مجرد آراء يبديها البعض أو تحركات سياسية للبعض الآخر

هناك آفة شديدة الخطوة يعاني منها الكثير ممن يتصدرون العمل العام في مصر، هي آفة عدم التدبر في تداعيات أو نتائج المواقف السياسية تجاه كوارث النظام سواء أكانت تلك المواقف مجرد آراء يبديها البعض أو تحركات سياسية يقوم به البعض الآخر.

لن أتحدث اليوم عن أقوال وأفعال النظام فغايتها واضحة منذ البداية وسبق أن كتبت عنها ولا أمل في نصحهم أو في ظهور عقل رشيد بينهم.

ما سأتحدث عنه هم المعارضين، فقد انتشرت مؤخرا على الساحة المصرية قناعة زائفة بأن أي تحرك للضغط على النظام مهما كانت دوافعه ووسائله وأشكاله أمر مفيد لاستعادة ثورة يناير وكرامة الإنسان المصري ووقف عمليات القمع والإقصاء والإفساد التي يتعرض لها.

هذا أمر غير صحيح على إطلاقه، لسببين أساسيين:

الأول: شيوع ورواج قناعة دينية ظاهرها الصحة وباطنها يتعارض مع الدين ذاته، وهي مقولة (دعنا نعمل والنتائج على الله).

هذه كلمة حق لكنها تستخدم في غير محلها. نعم علينا العمل وعلى الله النتائج، لكن للعمل سنن وشروط حتى يرتب الله نتائجها، والنتائج لن تتنزل علينا من السماء لمجرد قيامنا بأي عمل.

وفي القرآن والسنة وفي تاريخنا الكثير من السنن والبراهين التي لا يتسع المقام لعرضها، وهي بالمناسبة يتحدث عنها الذين يتصدرون العمل العام اليوم ويكتبون عنها لكن الكثير منهم لا يعملون بها على أرض الواقع.

إذا أخذنا بالأسباب فعلا وبذلنا الجهد الحقيقي فعلا وعملنا بما يتفق وسنن الله في هذا الكون، فالنتائج على الله وستكون – بقدرة الله- إيجابية. أما إذا عملنا أي عمل بلا دراسة ولا تدبر في العواقب والتداعيات فهذا كله يدخل في باب آخر مختلف تماما هو باب الاستسهال وإراحة النفس من اللوم والنقد، وذلك حتى لو توفر عنصر الإخلاص ووجدت النوايا الحسنة. وستكون النتائج هنا -بقدرة الله- وخيمة.

في السابق كان وجهاء أمتنا ينظرون بعمق في المقدمات ويقدرون بحكمة العواقب ثم يأخذون بقوة بالأسباب، وكان هذا يتم وفق خطة واضحة تتضمن هدفا محددا متفقا عليه ووسائل مناسبة وفعالة اختيرت بعناية ودقة، ولهذا كُتب لهم النصر والتمكين.

أما اليوم فقد اختلط الأمر على الكثيرين حتى صار الإيمان بالقضاء والقدر مسوغا لترك سنن الله في الأرض وعلى رأسها سنن التفكير والتدبر والمشورة والعلم وتعلم الدروس والإستفادة من تجارب الآخرين، وصار التسرع والإستسهال والفردية والتسابق هي السنن السائدة.

وليس دقيقا القول أن القدر فقط هو الذي يحكم عالم السياسة، فهذه أيضا كلمة حق تستخدم في غير محلها. الله خالق الكون ومقدر كل شيئ فيه، وهو سبحانه وتعالى لم يخلق العقل البشري ويُودع فيه حرية الاختيار عبثا، ولهذا لكل موقف أو حدث سياسي مقدمات وأسباب تؤدي إلى نتائج وتداعيات محددة، والمهم هنا هو تسليم القلب بقدرة الله والاعتماد عليه وحده سبحانه وتعالي ثم الأخذ بالأسباب الكونية للنصر.

وهذا بالطبع لا ينفي أبدا أن هناك عوامل عرضية كان لها نتائج كبيرة، وكتب السياسة وتجارب الشعوب بها حالات من هذا القبيل، لكن هذه الكتب والتجارب مليئة أيضا بأصل الأشياء وهو التفكر والتدبر والإعداد والتخطيط والتعلم واستيعاب الدروس وقراءة التاريخ وحساب المخاطر وغيرها.

*******
الثاني: ممارسة العمل السياسي ليس عملا عشوائيا وإنما هو عمل مدبر ومنظم. وهنا يمكنني الإشارة إلى أربع نقاط:

1- أي تحرك أو موقف لابد أن يكون مدروسا ومنظما وتم الإعداد له جيدا وتم إجراء حسابات المكسب والخسارة له. والتدبر في نتائج أو تداعيات أي موقف أو تحرك في السياسة أمر حتمي لا مفر منه.

وكم من تحركات للمعارضة تزيد من عمر الأنظمة المطلقة التي لا تعتمد فقط على قوتها الباطشة ولا تحالفاتها الخارجية وإنما أيضا على ضعف المعارضين لها وانقسامهم وتنافسهم وتحركاتهم غير المدروسة.

2- ممارسة السياسة تتطلب بالفعل تعدد الوسائل والأشكال لكن بشرطين على الاقل، الأول أن تكون هذه الوسائل تعمل في اتجاه واحد أو نحو هدف أو أهداف محددة، أو تقربنا من غاية نود الوصول إليها. بمعنى أن وضوح الغاية والاتفاق عليها تسبق اختيار الوسائل. نحن حتى اليوم لم نتفق على الهدف.

أما الشرط الثاني فهو أن يتم التنسيق بينها بأكبر قدر من الحكمة والتعاون والتشاور وذلك حتى لا تتضارب هذه الوسائل. ما عندنا هو تنافس الناس في طرح الأفكار والمبادرات وتسابقهم بشكل غير مفهوم.

3- إن ممارسة السياسة تتطلب أيضا التحلي بالصبر والتركيز والحرص على تكامل الجهود والعمل الجماعي والبعد عن الإعلام ونبذ الشخصنة والفردية وإتمام ما بدأ العمل فيه، بدلا من التسرع والقفز من عمل إلى آخر دون أي رؤية محددة متفق عليها أو تم حتى التنسيق في شأنها، وبدلا من تشتيت الجهود في أعمال متفرقة دون إتمام عمل واحد إلى غايته إذا كانت له في الأساس غاية محددة قابلة للتحقق.

4- إن ممارسة السياسة تتطلب ليس فقط الاستماع لوجهات نظر المتخصصين وتحذيراتهم فقط ثم المضي قدما دون أخذها في الحسبان. في السابق تم تحذير قوى الثورة من مغبة مسار استفتاء مارس 2011 وبالأوزان النسبية في وضع الدستور وفي بناء النظام البديل لكن تم الاستخفاف بهذا واليوم معظم هؤلاء الذين استخفوا في السابق يرون الإستفتاء والأوزان النسبية كارثة. وفي السابق أيضا تم تحذير أصحاب فكرة إسقاط أول رئيس منتخب والخروج بالقوة على مسار الانتقال وبالإستقواء بقادة الجيش، واليوم أدرك الجميع الكوارث التي ترتبت على هذه الفكرة.

المشكلة الأساسية التي لا يدركها البعض هي أن المواقف أو الأفكار غير المدروسة تترتب عليها كوارث وتنقلنا إلى مساحة كنا في غنى عنها في الأساس فتخلق مشكلات جديدة من جهة، كما أنها تشتت الجهود وتصرفها على المهام الأساسية الواجب القيام بها من جهة أخرى.

*******

سنن التغيير التي وضعها الله عزل وجل، ثم كشف عنها العقل البشري وتجارب الشعوب والأمم لا تحابي أحدا ومن الواجب اتباعها متى عرفها الإنسان في أي زمان ومكان.

للأسف هذه الأبجديات لم يفهمها البعض المحسوب على المعارضة في مصر بعد كل ما جرى أو ربما ينساها البعض الآخر في غمرة ما نحن فيه من كوارث وأزمات، ولذا لزم التذكير بها. والله أعلم.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023