شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

صعود اليمين العربي – خليل العناني

صعود اليمين العربي – خليل العناني
لا تخرج حادثة اغتيال الكاتب والناشط اليساري الأردني، ناهض حتّر، على يد شخص موتور، عن سياق مناخ التوتر والاستقطاب السائد، بكل أنواعه وتمظهراته، في المنطقة العربية. وهي ترجمةٌ فعليةٌ لتمدّد وتغلغل خطاب الكراهية والإقصاء
لا تخرج حادثة اغتيال الكاتب والناشط اليساري الأردني، ناهض حتّر، على يد شخص موتور، عن سياق مناخ التوتر والاستقطاب السائد، بكل أنواعه وتمظهراته، في المنطقة العربية. وهي ترجمةٌ فعليةٌ لتمدّد وتغلغل خطاب الكراهية والإقصاء الذي أصبح قاسماً مشتركا في النقاشات والجدالات العربية الرسمية وغير الرسمية. كما لا تبتعد هذه الحادثة عن حوادث أخرى شبيهة، وإنْ في سياقاتٍ أخرى، مثلاً كأن يتبنّى الجنرال عبد الفتاح السيسي مفردات اليمين العنصري وخطابه في أميركا، ويتهم الإسلام بالعنف والإرهاب، ولا يخجل من استخدام مصطلح “الإسلام الراديكالي” الذي يرفض الرئيس باراك أوباما استخدامه، لوصف حوادث العنف والإرهاب التي يرتكبها أشخاصٌ موتورون، لا يختلفون كثيراً في أفكارهم وسائلهم عمن اغتال ناهض حتّر. بل ومن المدهش أن يُثني السيسي علي المرشح الجمهوري العنصري، دونالد ترامب، باعتباره رجلاً قوياً، في حين يرد الآخر التحية بوصف الجنرال بأنه “رجل رائع”، وذلك في وصلة من الغزل السياسي البائس والرديء. كما لا يبتعد هذا كله عن الخطاب اليميني المتبجح في سورية، والتي وقف مندوبها في الأمم المتحدة، بشّار الجعفري، يتحدّث، بكل غرور وصفاقة، موزّعاً أكاذيبه علي الحاضرين، محتمياً بصفاقة نظيره الروسي، ويعطي درساً في الأدب والأخلاق والسياسة لأعضاء مجلس الأمن، في وقتٍ تدكّ فيها طائرات رئيسه، وحلفائه، البيوت على رؤوس السوريين في حلب وغيرها.
 
على الناحية الأخرى، لم تخجل فئات وطبقات مصرية من السخرية والتشفّي في عشرات الشباب الذين لقوا حتفهم في أحد قوارب الهجرة، والهروب من البلاد علي شاطئ مدينة رشيد. وبدلاً من لوم (وانتقاد) النظام الفاشل الذي تسببت سياساته في هروب هؤلاء، ومعظمهم صبيةٌ وشبابٌ لا يتجاوز عمرهم العشرين عاماً، يلومون الضحية ويعايرونها بالهروب، في موقفٍ مخجلٍ سيسجّل ضمن المواقف المخزية لهذه الفئات. وهي الفئات نفسها التي رقصت، قبل عامين، على جثث مخالفيهم سياسياً، وباركوا قتلهم بدمٍ بارد. يحدث هذا بينما يناقش البرلمان المصري مشروع قانون يغلّظ عقوبة الهروب من البلاد، بدلاً من البحث في أسبابها وعلاجها. ويتوازى مع تصريحٍ لا يخلو من الفكاهة، للمتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، يقول فيه إن “هجرة المواطنين ليس سببها البطالة أو الفقر”.
 
قد تبدو هذه الحوادث منفصلةً وغير مترابطة، لكن بعضاً من التدقيق يكشف الخيط الناظم بينها، وهو أننا أمام صعود قوي لتيار يميني عربي، إن على مستوى النخب أو الجماهير. وهو تيارٌ لا يجد غضاضةً في التخلص من كل مخالفيه بأي شكل، حتى لا يتبقى غيره. صعود اليمين العربي يتوازى ويتلاقى، ويا للمفارقة، مع صعود التيارات اليمينية في أوروبا وأميركا، وكأننا إزاء “موجةٍ عالمية” من اليمين تضرب شرقاً وغرباً، بيد أن اليمين العربي يتميز بعدة صفاتٍ تجعله متفرّداً عن نظيره الغربي. فمن جهة أولى، يبدو تيار اليمين العربي ملتصقاً ومرتبطاً بالأنظمة السلطوية الفاسدة، ومستفيداً منها ومن سياساتها، ويمثل أحد الداعمين لها ولبقائها. كما أنه يبدو منتشراً في أوساط الطبقة العليا، والشريحة العليا من الطبقة الوسطى، والتي تربطها مصالح اقتصادية واجتماعية بالسلطة، تجعلها من أهم المدافعين عنها، وعن سلطويتها وفسادها.
 
ومن جهة ثانية، يتبنى منتمون كثيرون لهذا التيار اليميني قيم الليبرالية الشكلانية التي تركّز على الحرية الانتقائية والرفاهة الاقتصادية والاجتماعية، في وقت يحتقرون كل المخالفين لهم فكرياً وسياسياً ويعادونهم، ويزدرون المختلفين عنهم اجتماعياً وطبقياً. وهو ما يعكس انفصاماً أخلاقياً وسلوكياً فجّاً، يعكس تشوه منظومتهم القيمية. وهم لا يخجلون من التعبير عن ازدواجيتهم تلك، في مواقف كثيرة علي نحو ما يحدث في مصر. وفي وقتٍ يدّعي هؤلاء تقليد الغرب واتباعه في المظهر والملبس والمأكل، إلا أنهم يحتفظون بقيم جاهلية قروسطية، ترفض التعدّدية والتسامح وقبول الآخر. كما أنهم من أكثر المحتفين والمستبشرين بصعود الفاشيات والسلطويات حول العالم. فيصبح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مثلاً أعلى ودليلاً على الوطنية والقوة. بل لا عجب أن يبدي أحدهم إعجاباً فجّاً برئيس كوريا الشمالية، آخر الأنظمة الشمولية في العالم، ويعتبره امتداداً لسلالةٍ عظيمة من الجد إلي الإبن، علي نحو ما فعل كاتب عمود مصري شهير قبل أيام.
 
ومن جهة ثالثة، يتبنى اليمينيون العرب خطاباً شوفينياً تجاه الخارج، ويرون في أنفسهم تجسيداً للنقاء العرقي والوطني الذي لا ينبغي للآخرين تشويهه أو إفساده. وهو خطابٌ غارقٌ في الماضوية، حيث يستحضر مفرادتٍ من زمن غابر، لإثبات نقائه وسموه على غيره، وهو خطابٌ انتهى مع حالة التعدّد والتعقيد التي أصبحت عليها المجتمعات. ويصل هذا الخطاب، أحياناً، إلي إخراج من يخالفوهم من الوطنية التي باتت ديناً يبرّر إقامة الحد على من يخالفونه وإعدامهم، تحت اتهامات العمالة والتخوين.
 
تدعم هذا اليمين العربي أنظمة ودول وجماعات، وهو يستخدم كل الأساليب للسيطرة على العقول، ويهمين علي النقاش السياسي والاجتماعي. ورأينا أخيراً دولاً تموّل وتحتضن جماعات وشخصيات أخرجت مخالفيها من تحت سقف الانتماء العقيدي، على نحو ما حدث في مؤتمر غرزوني الذي أخرج الإخوان المسلمين والسلفيين من “أهل السنة والجماعة”، ولم يعد سوى إخراجهم من الملّة. وهو يمينٌ متماهٍ مع نظيره الغربي، بل وداعمٌ له مادياً وإعلامياً وسياسياً. ولا يخجل من هذا الدعم، بل على العكس يعتبره من مقتضيات المرحلة.
 
حوّل هذا التيار اليميني الصديق عدواً، والعدو حليفاً. لذا، لا يبدو غريباً، والحال كهذه، أن تصبح إسرائيل صديقاً وحليفاً في عُرف اليمين العربي، وأن يصبح النازيون والفاشيون الجدد حلفاء محتملين لهم، في معركتهم ضد خصومهم الإيديولوجيين. وقد تجاوزت العلاقة بين هذه التيارات مجرد الاشتراك في الخطاب والخصائص، وإنما بات يجمعها المصالح. ​


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023