شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الحاكم العربي وعقول الرعية

الحاكم العربي وعقول الرعية
تبين المآزق الأخيرة التي وضع بعض الحكام العرب شعوبهم تحت وطأتها، أن أولئك الحكام لم يكتفوا ببسط سلطانهم الشخصي والعائلي والقبلي، لا السيادي فحسب، على تراب البلاد وثرواتها والمناصب اللازمة لإدارة شؤونها

تبين المآزق الأخيرة التي وضع بعض الحكام العرب شعوبهم تحت وطأتها، أن أولئك الحكام لم يكتفوا ببسط سلطانهم الشخصي والعائلي والقبلي، لا السيادي فحسب، على تراب البلاد وثرواتها والمناصب اللازمة لإدارة شؤونها، بل تجاوز الأمر إلى استلاب لسان وسمع وبصر الرعية، بحيث أصبحت بعض هذه الشعوب مجرد قطعان من الكائنات المهمشة، وفي أفضل الأحوال إن حاولت هذه الشعوب درء هذه الوصمات عنها، فإنها تصرخ بأعلى صوتها، ولكن بما تمليه ألسنة السلطة، وكأن لسان حالها يقول: حضور مع السلطة خير من غياب يأخذه علينا الآخرون ويساوينا بالأموات!

وفي هذا السياق، تحاول هذه الشعوب، أو -على الأقل- الأصوات المفترض فيها حمل المشعل الثقافي أو التنويري، وصناعة الرأي العام، أن تسلك أحد مسارين: النفخ في البوق السلطوي لمجرد الدلالة على الحضور، ومحاولة تبرير المواقف السلطوية العصية على عقول السذَّج قبل المفكرين وحملة الأقلام، أو الانزواء التام عن الحدث والإمساك بتلابيب قضايا اجتماعية أو ثقافية أو فنية أو اقتصادية… إلخ، المهم أن تكون بعيدة كل البعد عن الشأن السياسي، حتى لا يحسب عليها أي موقف، سلباً أو إيجاباً.

وهنا تكون السلطة العربية قد نجحت بالفعل في تشكيل العقل النخبوي، بحيث أصبح إما بوقا لها، أو غائباً غياباً لا يمكن احتسابه في خانة الصمت الاعتراضي، إذ يغرد في توافه الأمور أو حتى في أمور جليلة ولكنها خارج الحدث!

حتى رجال الدين، لم تعد ترى منهم من يصدح بقولة حق أمام سلطان جائر، وكأنهم أشربوا الرعب والهلع في قلوبهم، وأصبحوا غير قادرين إلا على نفاق سلطاتهم وموافقتها في كل ما تذهب إليه، حتى وإن كان بغياً ظاهراً وجوراً لا تخطئه عين!

مثل هذه البلاد لا أعتقد أنها ستعيش طويلاً فيما تظنه هدوءاً واستقراراً، بينما هو قمع بلغ هذا الحد من تشويه عقول الرعية، واستلاب الضمير الجمعي الفطري، وجعله يرى الحلال حراماً والحرام حلالاً، مادامت تلك الرؤية تؤيد ما تراه عين السلطة!

ولا أعتقد أن مثل هذه البلاد ستعيش طويلاً فيما تظنه هدوءاً واستقراراً مهما أغدقت من أموال لترسيخ مواقف كتّابها ومثقفيها المشوهة، ومهما أغدقت من أموال لشراء مواقف دول أخرى، في استغلال رخيص لحاجة هذه الدول من جهة، وضعف نفوس حاكميها من جهة أخرى، لتقف معها لا في الحق، وإنما في الباطل البين!

ويوما ما ستفيق هذه الشعوب من غفوتها، إما بحادث جلل، أو كارثة عظمى، وعندها سيكون الحساب عسيراً.. وإن غداً لناظره قريب.

 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023